حكم التحكيم وتنفيذه في النظام السعودي الجزء الرابع
تعريف طلب التنفيذ:
ويمكننا تعريف طلب التنفيذ بأنه الطلب الذي يتقدم به الطرف المحكوم له، مستهدفاً من خلاله منح قرار التحكيم قوة النفاذ حال تمنُّع المحكوم عليه من أداء ما قضى به حكم التحكيم، وهذا الطلب يجد سنده وأساسه الشرعي في نصوص النظام الذي نظم موضوع التحكيم في النظام السعودي.

- شكل طلب التنفيذ:
لم يتم تحديد شكل الطلب صراحةً في نظام التحكيم السعودي، إلا إنه يمكننا القول أنه لابد عند تقديم الطلب أن يكون مكتوباً ولا ينبغي أن يُقدَّم شفاهةً، وقد جاء نظام التحكيم السعودي وقد بين لنا من خلال المادة (٥٣) ما يُرْفَق مع طلب التنفيذ، فقد نصت على أنه: “تُصدر المحكمة المختصة أو من تندبه، أمراً بتنفيذ حكم المحكمين، ويُقدَّم طلب تنفيذ الحكم مرافقاً له الآتي: ١. صورة عن اتفاق التحكيم. ٢. أصل الحكم أو صورة موقعة عنه. ٣. ترجمة لحكم التحكيم مُصدَّق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية إذا لم يكن ذلك الحكم صادراً بها. ٤. ما يدل على إيداع الحكم لدى المحكمة المختصة وفقاً للمادة (الرابعة والأربعين) من هذا النظام”.
يتضح لنا مما سلف بيانه أن تقديم طلب التنفيذ يكون في حالة امتناع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم، فهنا يلجأ الطرف الآخر (المحكوم له) باللجوء إلى القضاء لاقتضاء حقه جبراً من خلال حكم واجب النفاذ.
ومن المُلاحظ هنا أن تقديم طلب التنفيذ لا يعد من قبيل الدعاوى العادية، حيث أنه لا يُشترط عند تقديمه ما يتم اشتراطه من بيانات في لوائح الدعاوى أو الطعون عند تقديم أي دعوى أمام المحكمة، فيتم تقديم طلب التنفيذ ليُبَت فيه أمام محكمة الدرجة الثانية أي محكمة الاستئناف، ولكن ليس بصفتها الاستئنافية ولكن بصفتها محكمة مخول لها إكساء حكم التحكيم قوة النفاذ وذلك وفق ما جاء بنظام التحكيم السعودي.
ويُشترط عند تقديم طلب التنفيذ ألا يخلوا من البيانات الآتية:
1. اسم المحكمة المقدم لها الطلب.
2. اسم طالب تحصيل قوة النفاذ (مقدِّم الطلب) وعنوانه، واسم من يمثله إن وُجد وعنوانه.
3. اسم المحكوم عليه (المطلوب التنفيذ بمواجهته) وعنوانه واسم من يمثله إن وُجد وعنوانه.
4. الموضوع ( أي موضوع طلب التنفيذ).
5. إيجاز حول الموضوع الذي تم تحصيل حكم التحكيم فيه.
6. توقيع مقدم الطلب.
7. إثبات توقيع مقدِّم الطلب، وتاريخ تقديم الطلب.
ولابد من التنويه على أن ترتيب الأثر القانوني يكون من تاريخ تسلُم المحكمة الطلب، وليس من تاريخ البت فيه.
- موعد تقديم طلب تنفيذ حكم التحكيم:
لا يمكن تقديم طلب تنفيذ حكم التحكيم إلا بعد مرور ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ علم المحكوم عليه بحكم التحكيم، وبعد الثلاثين يوماً مدة تقديم الطلب مفتوحة لعدم وضع مدة محددة من قِبل المنظم السعودي يمكن خلالها تقديم الطلب.
إلا أنه من حق الطرف الذي صدر حكم التحكيم في مواجهته أن يطلب إبطال حكم التحكيم خلال ستون يوماً من اليوم التالي لتبليغه بالحكم، حيث أنه جاء بالمادة (٥١) أنه:
“ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم من أي من طرفيه خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغ ذلك الطرف بالحكم. ولا يحول تنازل مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم دون قبول الدعوى”.
ونود الإشارة إلى أن طلب تنفيذ حكم التحكيم لا يُمكن قبوله شكلاً إلا بعد انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم، وهو ما أكدته المادة ٥٥/١ من النظام.
الجهة المخول لها إعطاء قوة السند التنفيذي لحكم التحكيم:
عهد المنظم السعودي على إطلاق لفظ “المحكمة المختصة” على المحكمة التي تَختص بإسباغ قوة التنفيذ على أحكام التحكيم وهذه المحكمة وفق ما جاء بالمادة الثامنة من نظام التحكيم السعودي هي محكمة الاستئناف.

فقد جاءت المادة الثامنة من النظام لتقرر الآتي:
1 . يكون الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم والمسائل التي يحيلها هذا النظام للمحكمة المختصة معقوداً لمحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع.
2 . إذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى بالمملكة أم خارجها، فيكون الاختصاص لمحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في مدينة الرياض ما لم يتفق طرفا التحكيم على محكمة استئناف أخرى في المملكة”.
الكيفية التي يتم بها نظر طلب التحكيم من قِبل محكمة الاستئناف:
تقوم المحكمة المختصة بالنظر في الأوراق المعروضة عليها دون حاجة إلى استدعاء الخصوم كما هو معهود في الدعاوى العادية، وقد ذهب الفقه إلى عدِّ أعمال المحاكم في نطاق إكساء أحكام التحكيم صيغة النفاذ أعمالاً ولائية.
والعمل الولائي هو العمل الذي يُسند إلى المحكمة باعتبارها ولية أمر تفصل في مسألةٍ ما دونما اشتراط وجود نزاع قائم بشأنها، إذاً فالعمل الولائي لا ينطبق على عمل المحكمة القائم أساساً للبَت في النزاعات التي تُعرض عليها بشكلٍ دائم.
ومما يجب الإشارة إليه أنه لم يُذكر مدة محددة يتم خلالها البَت في الطلب المقَدم من قبل أحد طرفي التحكيم، ولكن تُرِكَ الأمر لتقدير المحكمة المختصة.
قرار المحكمة المختصة في الطلب المقَدم لها:
هناك بعض الحالات التي تحول دون إعطاء الحكم القوة التنفيذية المُرادة، وفيما يلي شرحاً وافياً لتلك الحالات:
1. عدم مخالفة الحكم التحكيمي لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة العربية السعودية:
لا يختلف اثنان على أنه لابد لأي حكم تحكيمي أو قضائي ألا يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية، وبالتبعية فلا يكون مخالفاً لأمن واستقرار البلاد، مما يوجب على المحكمة المختصة رفض قرار التنفيذ، لمخالفته للنظام العام، فالمصلحة العامة مقدمة على مصلحة الأفراد، مثل أن يكون حكم التحكيم لفض خلاف على صفقة مواد مخدرة، فإن هذا العمل غير مشروع وبالتالي فلا يصح أن يتم تنفيذ مثل هذا الحكم.
وقد ورد بحكم ديوان المظالم رقم ١٠٧/د/تج/٤ لعام ١٤١٥ه أنه: “ولما كان الحكم محل الدعوى قد قضى في الفقرة ثانياً من البند الأول من منطوقه بإلزام المدعى عليها بدفع مبلغ …. لجبر الضرر الذي لحق شركة …. (المدعية) من حجز قيمة الضمان البنكي بعد انتهاء المشروع فإنه يتعين نقص هذه الجزئية لما فيها من شبهة الربا وهو ما انتهى مجمع الفقه الإسلامي من أن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان).
2. ألا يكون قد صدر قرار أو حكم من محكمة أو جهة أو أية جهة تتبع المملكة العربية السعودية تتمتع بالولاية في الفصل في موضوع النزاع:
بداية نحب أن نشير إلى أنه لا ينبغي أن يصدر حكم تحكيمي مخالف لحكم قضائي حائزاً قوة القضية المقضية وذلك لمخالفته للنظام العام، مما يحق معه للمحكوم عليه المطالبة بإبطال الحكم التحكيمي، فأحكام القضاء لها قدسيتها ويجب احترامها.
ووفق ذلك فإن المحكمة المختصة يكون لزاماً عليها إصدار قرار برفض تنفيذ الحكم التحكيمي.
- المراوغة في تبليغ المحكوم عليه تبليغاً صحيحاً:
على المحكوم له أن يقوم بتبليغ الحكم للمحكوم عليه تبليغاً صحيحاً، وإذا لم يقم بتبليغه تبليغاً صحيحاً فإن المحكمة المختصة ترفض طلب التنفيذ، وقد نص على ذلك نظام التحكيم السعودي بالمادة ٥٥/٢ بقولها: “لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا النظام إلا بعد التحقق من الآتي: أنه قد أُبلغ للمحكوم عليه إبلاغاً صحيحاً
حيث أن عدم التبليغ بالحكم يفوت على المحكوم عليه ميعاد الطعن المقرر له، وفق ما جاء بالمادة (٥١) من نظام التحكيم السعودي، والتي جاء فيها أنه:
“ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم من أي من طرفيه خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغ ذلك الطرف بالحكم. ولا يحول تنازل مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم دون قبول الدعوى”.
وعلى المحكوم له بيان ما إذا كان قد قام بتبليغ المحكوم عليها تبليغاً صحيحاً أم لا، لعدم ورود نص يحدد الجهة المنوط بها بيان ذلك.
2. قوة النفاذ بصورة تبعية:
قد تحكم المحكمة المختصة بصحة بإكساء القوة التنفيذية على الأحكام التحكيمية من تلقاء نفسها دونما حاجة لتقديم طلب تنفيذ الحكم من قِبل المحكوم له، وذلك في حال أن قام المحكوم عليه برفع دعوى إبطال حكم التحكيم وكان قرار المحكمة يقضي بأن لا وجه ولا سبيل لإصدار قرار بطلان الحكم التحكيمي، فتقضي بناءً على ذلك بتأييد حكم التحكيم وإعطاءه القوة التنفيذية الجبرية.
حيث أنه توجد حالات معينة يجوز للمحكوم عليه أن يطلب إبطال الحكم إذا توافرت أي من منها ، فقد قرر وفق ما جاء بالمادة (٥٠/١) أنه: لا تُقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:
1. إذا لم بوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته.
2. إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية، أو ناقصها وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته.
3. إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
4. إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع.
5. إذا شُكلت هيئة التحكيم أو عُين المحكمون على وجه مخالف لهذا النظام، أو لاتفاق الطرفين.
6. إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاص بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم وحدها.
7. إذا لم تُراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه، أو استند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثرت فيه.
حكم التحكيم وتنفيذه في النظام السعودي الجزء الثالث
وقد ورد بالمادة (٥١/٢) أنه:
“إذا حكمت المحكمة المختصة بتأييد حكم التحكيم وجب عليها أن تأمر بتنفيذه، ويكون حكمها في ذلك غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن، أما إذا حكمت ببطلان حكم التحكيم، فيكون حكمها قابلاً للطعن خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ.
سابعاً: الطعن على قرار المحكمة المختصة بتنفيذ الحكم التحكيمي:
للمحكمة المختصة عند عرض الأمر عليها بإكساء حكم التحكيم القوة التنفيذية أن تقرر إحدى أمرين، أولهما أن تقضي بإكساء الحكم القوة التنفيذية أو أن تقرر عدم إكساءه القوة التنفيذية، ولذا فإنه لابد لنا أن نوضح إمكانية الطعن على قرار المحكمة لكل حالة على حدة، وذلك على النحو الآتي بيانه:
1. قرار المحكمة المختصة بإكساء حكم التحكيم القوة التنفيذية:
فقد قرر المنظم السعودي عدم عرض الحكم التحكيمي القابل للنفاذ على محكمة التمييز، وذلك ما أكدته المادة (٥٥/٣) بقولها:
“لا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى الجهة المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره”.
الأمر الذي يُفهم منه الاعتداد بسرعة تنفيذ حكم التحكيم، حيث أن الغاية من اعتبار الحكم بات ولا يقبل الطعن عليه بأي طريقة من طرق الطعن، هو الحث على سرعة تنفيذ حكم التحكيم.
2. إذا رفضت المحكمة إكساء الحكم التحكيمي القوة التنفيذية:
في حالة رفض المحكمة إكساء حكم التحكيم القوة التنفيذية نتيجة لرؤيتها لأحد العيوب التي تشوب الحكم، سواء كان ذلك عن طريق دعوى بطلان حكم التحكيم مرفوعة من قِبل المحكوم عليه، أو من خلال تقديم طلب بإكساء حكم التحكيم القوة التنفيذية من قِبل المحكوم له، فإنه يجوز الطعن عليه، كما ورد بالمادة (٥٥/٣) من النظام والتي نصت على: “لا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى الجهة المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره”.
والعلة في ذلك تكمن في أهمية التحكيم كبديل للتقاضي، وعدم إهدار ما بُذل من عناية للوصول إلى الحكم، لذا فقد إرتأى الفقه ضرورة لجوء صاحب الحاجة إلى التظلم من هذا الحكم.
- موقف محكمة التمييز من التظلم المعروض عليها:
سبق وأن أشرنا إلى أن الحكم التحكيمي لا يجوز التظلم منه إلا إذا كان قرار المحكمة المختصة هو عدم قابلية الحكم التحكيمي للتنفيذ، فيصح أن يلجأ من كان متضرراً من القرار إلى محكمة التمييز، فإن قرارها لا يخرج عن أحد قرارين:
- القرار الأول: وهو أن يكون متضمناً ما يفيد خطأ ما أصدرته المحكمة المختصة من قرار بعدم قابلية حكم التحكيم للتنفيذ، وهو ما يجعل حكم التحكيم صحيحاً يصلح لتنفيذه داخل المملكة.
- القرار الثاني: وهو أن تؤيد قرار المحكمة المختصة بعدم قابلية حكم التحكيم للتنفيذ داخل المملكة، وهو ما يضع حكم التحكيم في موضع رفض تنفيذه.

وبغض النظر عن الحكم الذي يتم إصداره من محكمة التمييز في هذا التظلم فإنه يكون حكماً قطعياً، سواء كان بقبول تنفيذ حكم التحكيم أو رفض تنفيذه، ولكن هناك ملاحظة نود أن ننوه لها وهي أن المنظم السعودي قد تعرض لحالة إبطال الحكم التحكيمي استناداً لدعوى بطلان بتقرير عدم امتداد هذا البطلان لاتفاق التحكيم، إلا في الحالة التي يكون هناك اتفاق على ذلك بين أطراف التحكيم أو كان هناك حكم صريح بإبطال هذا الاتفاق، إلا أنه لم يذكر الوضع في حال أن يكون القرار الصادر في التظلم مؤيداً لعدم قابلية حكم التحكيم للتنفيذ، والذي يستدل منه القضاء بشكل ضمني زوال اتفاق التحكيم، وهو فيه من التناقض ما يدعو للتساؤل.
أخيرا نحن في شركة اسداء نقدم لكم محاميين خبراء في جميع القضايا والدعاوى وقضايا الالتماس والمخدرات بالاضافة الى محامي أحوال شخصية وقضايا خلع وفسخ نكاح ومطالبة مالية واخلاء عقاري واستئناف ورفع دعوى طلاق ودعوى خلع بالإضافة الى قضايا الاجرام الكبيرة وفريق مختص من محاميين خبراء في توزيع الحصص وتسوية الشركات وقضايا التعويض والتأمين
حكم التحكيم وتنفيذه في النظام السعودي الجزء الثالث