حكم التحكيم وتنفيذه في النظام السعودي يعد نظام التحكيم بمثابة طريق مواز لطريق القضاء العادي، وهو طريق قد يلجأ إليه الخصوم للاستفادة من المميزات والفوائد التي يحققها ولا تتوافر في القضاء العادي، والتي من أهمها سرعة الفصل في منازعات التحكيم عن نظيرتها من المنازعات التي يتم طرحها على القضاء، بجانب قدرتهم على اختيار أعضاء هيئة التحكيم بالاتفاق فيما بينهم، وهو ما لا يتوافر في هيئة القضاء، وغيرها من المميزات الأخرى التي يحققها نظام التحكيم.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن إجراءات التحكيم سواء بشأن الاتفاق عليه، أو تداوله أمام هيئة التحكيم، أو تنفيذ الحكم الصادر في منازعة التحكيم لا تزال غامضة بعض الشيء لدى كثير من الأشخاص، لذلك فقد قررنا أن يكون هذا المقال بمثابة دليل تعريفي لكافة الإجراءات الخاصة بالتحكيم بدءاً من التعريف به، وانتهاء بتنفيذ الحكم الصادر في منازعة التحكيم، وذلك جميعه في ظل نظام التحكيم السعودي.

بداية نود الإشارة إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للتحكيم
أولاً: تعريف التحكيم:
تعريف التحكيم في اللغة:
يُعرف التحكيم في اللغة بالمنع، فقد قال الجهوري حكمت الرجل تحكيماً أي منعته مما أراد، ومنه أيضاً حكمته في مالي أي جعلت الحكم إليه
أما التحكيم في الاصطلاح الفقهي والقانوني فهو تراضي الخصمين لواحد من الرعية، والترافع إليه ليحكم بينهما.
وقد تم تعرفه أيضاً بأنه اتفاق طرفين أو أكثر من المتخاصمين على أن يقوما بتولية من يبت في نزاع شجر بينهم، بحكم يلزم جميع الأطراف.
وقد تم تعريف اتفاق التحكيم بالمادة الأولى من نظام التحكيم السعودي على أنه: هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، سواء أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة.
وقد أشار في الفقرة الثانية إلى تعريف هيئة التحكيم بأنها هي المحكم الفرد أو الفريق من المحكمين الذي يفصل في النزاع المحال إلى التحكيم
ولا يفوتنا ذكر المحكمة المختصة بالتحكيم والتي قد عرفها النظام بأنها: المحكمة صاحبة الولاية نظاماً بالفصل في المنازعات التي اتفق على التحكيم فيها.
ثانياً: مشروعية التحكيم:
من الأهمية بمكان الإشارة إلى مشروعية التحكيم بالقرآن والسنة وإجماع الفقهاء والمعقول.
- مشروعية التحكيم في القرآن الكريم:
ما جاء بسورة النساء في الآية (٣٥)، قول الحق تبارك وتعالى:
“وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا”
وهو ما يدل على مشروعية التحكيم وإتيانه لثماره من خلال الإصلاح بين الزوجين، بدلاً من اللجوء إلى القضاء.
وقد قال القرطبي: ولو كان هناك جواز بإرسال الواحد، فلو رضي الزوجان بإرسال واحد لكان مجزئاً، وهو أولى بأن يكون جائزاً إذا كان كلاهما راضياً بذلك، غير أن الله قد أمر بإرسال الحكام لا الزوجين، فإن حدث أن قام الزوجان بإرسال حكمين وقاما بالحكم، ينبغي تنفيذ حكمهما، لأن التحكيم عندنا جائز.
واعتبر ابن عاشور أن هذه الآية تعد أصلاً في اعتبار التحكيم جائزاً في بقية الحقوق، وقد ورد ذكر مسألة التحكيم في الفقه
- مشروعية التحكيم في السنة:
وقد ورد بالسنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تدل على مشروعية التحكيم نذكر منها،
عن هانئ أنه عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض قومه لفت سمع النبي أن القوم يطلقون عليه كنية خاصة وهي (أبو الحكم)، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلما تكنى أبا الحكم؟) فقال: “إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين”.
- مشروعية التحكيم في الإجماع:
أما ما يتعلق بمشروعية التحكيم من الإجماع، فقد قال النووي: ” أن التحكيم جائز فيما يعني من قضايا المسلمين وفي مهماتهم الجسام، وقد أجمع عليه عموم المسلمين، ولم يخرج فيه عن ذلك إلا الخوارج”.
ثالثاً: أنواع التحكيم:
لا يقتصر التحكيم على صورة وحيدة بل إنه يتفرع ويتنوع إلى أكثر من صورة، فإذا ما أردنا تحديد تلك الصور بشكل عام سنجد أنها تنحصر في ثلاث تقسيمات رئيسية يقوم كل تقسيم منها على معيار مختلف، فهناك معيار الإرادة في إنشاء التحكيم، ومعيار سلطة المحكم، والمعيار المكاني.
- صور التحكيم استناداً إلى معيار الإرادة
وفقاً لمعيار الإرادة يتم النظر إلى التحكيم من حيث مدى تأثير إرادة أطراف النزاع في إنشائه، حيث يكون التحكيم إما اختيارياً أو إجبارياً.
- التحكيم الاختياري:
يقصد به التحكيم الذي تتفق إرادة أطراف النزاع على طرح نزاعهم القائم أو المحتمل عليه، وحظر طرحه على القضاء العادي، وهو ما يوضح أن التحكيم الاختياري يستند في نشأته إلى إرادة الخصوم ورغبتهم الحرة في إخضاع نزاعهم للتحكيم.
وتعد هذه الصورة من صور التحكيم هي الأصل في عملية التحكيم، حيث أنه سبيل لفض المنازعات يختاره الخصوم باتفاقهم في الحالات – النادرة – التي يلزمهم المنظم باللجوء إلى التحكيم فيها.
- التحكيم الإجباري:
ويقصد به التحكيم الذي لا تتدخل في إنشائه إرادة أي طرف من أطراف النزاع، فلا يكون لإرادتهم أي أثر سواء في اختيار اللجوء إلى التحكيم أو في اختيار المحكمة أو هيئة التحكيم، كما لا يحظر عليهم الاتفاق على ما يخالف ذلك بشأن منازعتهم، وهناك بالفعل بعض الدول التي يتضمن قانون التحكيم الخاص بها بعض المنازعات المحددة التي يلزم اللجوء فيها للتحكيم الإجباري، إلا أن القاعدة العامة في النظام السعودي هو أن التحكيم وسيلة اختيارية لفض المنازعات.
- صور التحكيم استناداً إلى معيار سلطة المحكم
أما بالنسبة لمعيار سلطة المحكم فإن التحكيم يُنظر إليه من حيث السلطة التي يتمتع بها المحكم بشأن موضوع النزاع المطروح عليه، ووفقاً لذلك يكون التحكيم إما تحكيم بالقضاء أو تحكيم بالصلح.
- التحكيم بالقضاء:
يقصد بالتحكيم بالقضاء التحكيم الذي تكون فيه المهمة المنوط بالمحكم القيام بها هي ذات المهمة المنوطة بالقاضي في المحكمة، أي أن يكون من سلطته أن يفصل في النزاع بحكم يصدر بناء على الوقائع والأوراق المطروحة أمامه، ويلجأ إلى مختلف أدلة الإثبات المتاحة له ليتمكن من الوصول إلى حقيقة النزاع، ولا يكون لإرادة الخصوم أي تأثير عليه سواء في إدارة المنازعة أو ما يصدره فيها من حكم.
- التحكيم بالصلح:
هو التحكيم الذي يكون المحكم فيه مفوضاً من الخصوم في النزاع لكي يقوم بإتمام عملية الصلح فيما بينهم من نزاع قائم، فتقتصر سلطته ومهامه في ذلك التحكيم على اللجوء إلى سبل وطرق تحقيق التصالح بين الخصوم، فيقوم بمحاولات لتوحيد مواقفهم وتقريب آرائهم، وذلك في ظل ما يقدم إليه من الخصوم من أوراق ومستندات، فإن لم يتمكن من ذلك فعندئذ يقوم بإصدار ما يراه من حكم شريطة أن يكون هذا الحكم مراعياً لمصلحة جميع أطراف النزاع.
أخيرا نحن في شركة اسداء نقدم لكم محاميين خبراء في جميع القضايا والدعاوى وقضايا الالتماس والمخدرات بالاضافة الى محامي أحوال شخصية وقضايا خلع وفسخ نكاح ومطالبة مالية واخلاء عقاري واستئناف ورفع دعوى طلاق ودعوى خلع بالإضافة الى قضايا الاجرام الكبيرة وفريق مختص من محاميين خبراء في توزيع الحصص وتسوية الشركات وقضايا التعويض والتأمين