ما لا تعرفه عن عقد المقاولة؟؟

في ظل اتجاه الغالبية العظمى من دول المجتمع الدولي – ومن ضمنها المملكة العربية السعودية إلى الاهتمام بقطاع البناء والتشييد، وذلك لمواجهة النقص الكبير في الكم المعروض من الوحدات العقارية باختلاف أغراضها وأنواعها عن حجم الطلب عليها، فقد أصبحت العقود الخاصة بهذا القطاع من العقود التي أصبحت في الآونة الأخيرة محط اهتمام من كافة الأطراف ذات العلاقة بمجال التشييد والبناء، لاسيما رجال القانون باعتبارهم من الأطراف المعنية بتلك العقود سواء في مرحلة تحريرها أو المرحلة التي يقع فيها نزاع قضائي بين أطراف تلك العقود.
ومن أكثر هذه العقود انتشاراً واستخداماً في المجتمع هي عقود المقاولة، خاصة وأنها لا تقتصر على مجال وتشييد الوحدات السكنية والتجارية والصناعية فقط، ولكنها تُبرم في مجال إقامة المرافق والخدمات العامة التي تخدم وتلبي الاحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع، وهو ما جعل تنظيم عقد المقاولة من المسائل الهامة والجوهرية في أي نظام قانوني، لاسيما وأن العلاقات القانونية التي ينظمها هذا العقد تتسم بالتعقيد والتشابك الذي يستلزم تنظيماً دقيقاً وضوابط محددة لإزالة أي غموض حوله، وتحديد التزامات وواجبات أطرافه بشكل محدد وواضح لا يترك مجالاً للتنازع حولها.
وفي غضون السبعينات بدأ الاهتمام يتزايد في المملكة العربية السعودية بعقود المقاولة وتنظيمها، وذلك بعد أن بدأ قطاع البناء والتشييد فيها في الازدهار والتطور بشكل كبير وملحوظ، وهو ما ترتب عليه إصدار المنظم السعودي لبعض الأنظمة التي تهدف إلى تنظيم العمل في قطاع المقاولات، ومن تلك الأنظمة تنظيم الهيئة السعودية للمقاولين، ونظام تصنيف المقاولين، وترك تنظيم عقد المقاولة ذاته لأحكام الشريعة الإسلامية.

ولا يختلف عقد المقاولة عن سائر العقود الأخرى في كونه عقد يمكن أن ينشأ بشأنه العديد من النزاعات، وأن تقوم في حقه الكثير من الإشكاليات القانونية، إلا أن الحلول التي يمكن أن يتم وضعها لتلك النزاعات والإشكاليات وإن كانت يسيرة
المملكة العربية السعودية، حيث أن النظام القانوني في المملكة يستند بشكل أساسي إلى الشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، وهو ما يوسع من دائرة البحث عن تلك الحلول ويجعلها من الصعوبة بمكان على بعض من يحاولون الوصول إليها، ولم تكن العقود النموذجية التي يتم وضعها من الجهات المختصة كافية لمواجهة تلك النزاعات والإشكاليات.
ونظراً لما سبق فسوف نتناول في هذا المقال عقد المقاولة، متعرضين في سياق ذلك لأهم أوجه وجوانب هذا العقد، ومتضمنين في ذلك بيان بأهم النزاعات والإشكاليات التي تنشأ عن هذا العقد، مع توضيح الحلول التي قررها المنظم السعودي في هذه النزاعات.
ماهية عقد المقاولة؟؟؟
يعد عقد المقاولة بمثابة الإطار الذي تدور في فلكه علاقة طرفي التعاقد، فهو الحاكم لتلك العلاقة والمنظم لها، وهو ما يقتضي منا بداية أن نتعرف على المقصود بعقد المقاولة، والتعريف بالمقاول، وبيان ماهية أعمال البناء والتشييد باعتبارها محور عقد المقاولة.
1- التعريف بعقد المقاولة
لا يعد عقد المقاولة من العقود المستحدثة بل هو عقد يجد جذوره في بعض العقود المتشابهة معه مثل عقد الاستصناع الذي عرف أيضاً بمسمى عقد الإجارة على العمل، وعقد الإجارة، والدليل على ذلك ما استقرت عليه بعض أحكام القضاء السعودي والتي تقر مسمى ووصف عقد الاستصناع على عقد المقاولة، وما استقر عليه بعضها الآخر من تكييفه على أنه عقد إجارة.
وقد تعددت التعاريف التي وضعها الفقهاء لعقد المقاولة، وهذه التعاريف وعلى الرغم من تعددها إلا أنها لم تختلف حول مضمون عقد المقاولة، ولذلك سوف نكتفي بإيراد بعض أهم وأبرز هذه التعاريف في النقاط الآتي بيانها:
– عقد المقاولة عُرف من وجهة نظر جانب من الفقه بأنه العقد الذي يبرم بين طرفين يتعهد بموجبه أحدهما بأن يؤدي عمل ما خلال فترة معينة للطرف الآخر، وذلك في مقابل أداء أدر له مقابل قيامه بهذا العمل.
– كما عرف من وجهة نظر جانب آخر بأنه الاتفاق المبرم بين طرفين والذي يتعهد فيه طرف بصناعة شيء معين أو تأدية عمل محدد لصالح الطرف الآخر، وذلك نظير بدل محدد ومتفق عليه يتعهد الطرف الآخر بأدائه.
– وعرف عقد المقاولة في المادة رقم (124) من مجلة الأحكام العدلية تحت مسمى عقد الاستصناع، حيث نصت المادة المذكورة على أن عقد الاستنقاع هو (عقد مقاولة مع أهل الصنعة على أن يعملوا شيئاً، فالعامل صانع والمشتري مستصنع، والشيء مصنوع).
ومن خلال هذه التعاريف وغيرها من التعاريف الفقهية الأخرى لعقد المقاولة يمكننا أن نستخلص تعريفاً وسطياً متوازناً لعقد المقاولة، ويتمثل ذلك التعريف في أن عقد المقاولة هو العقد الذي يتم إبرامه بين طرفين، بحيث يقوم أحدهما بأداء عمل محدد بالعقد لصالح الطرف الآخر، مع تعهد الطرف الآخر بأن يؤدي له نظير ذلك أجر مالياً، وذلك دون أن يكون هناك علاقة تبعية أو نيابة فيما بينهما.
وللتعرف أكثر على عقد المقاولة من هنا
2- التعريف بالمقاول
يعد المقاول هو أحد طرفي عقد المقاولة، ولا تعد مبالغة إذا ما وصفنا المقاول بأنه الطرف الأكثر أهمية في عقد المقاولة، لاسيما وأن التزاماته تفوق التزامات المتعاقد الآخر سواء من حيث الكم أو الكيف، فهو الطرف الذي يتولى تنفيذ العمل المتفق عليه مع المتعاقد الآخر في عقد المقاولة، بينما تكون التزامات هذا المتعاقد الآخر هي في أغلبها التزامات مالية، والتي منها على سبيل المثال قيمة مواد الإنشاء والبناء وأجر المقاول وغيرها من الالتزامات المالية.
والمقاول يعرف من وجهة نظر الفقه القانوني بأنه الشخص الذي يناط به إقامة وبناء العقارات وتشييد المنشآت الثابتة بأنواعها، وذلك طبقاً للتصميمات التي يقوم بها ذوي التخصص ثم يتم تسليمها إليه، ويقوم بهذا العمل نظير أجر يتقاضاه من الطرف المتعاقد معه، وذلك دون أن يكون خاضعاً لأي علاقة إشراف أو تبعية في عمله لهذا المتعاقد الآخر.
وقد تصدى المنظم السعودي لتعريف المقاول في نظام تصنيف المقاولين السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/9) الصادر بتاريخ 18/1/1443هـ، وقرار مجلس الوزراء رقم (49) الصادر بتاريخ 16/1/1443هـ وذلك في مادته الأولى الخاصة بالتعاريف، حيث عرف فيها المقاول على أنه (شخص ذو صفة طبيعية أو اعتبارية مرخص له نظاماً بالقيام – منفرداً أو مشتركاً – لتنفيذ عقد في أحد المجالات المحددة في اللائحة).
لتفاصيل أكثر من هنا