الشرط الجزائي في العقود

الشرط الجزائي يُعتبر سلاحاً ذو حدين، ففي الفترة التي تسبق الإخلال بالالتزام يُمكن اعتباره سلاح ردع لتفادي أي إخلال بالالتزام، وهو بذلك يمثل ضغطاً على المدين لتنفيذ التزامه، وإذا وقعت المخالفة فالطابع الجزائي للشرط يظهر، فنقطة البداية في طلبات الدائن تكون هي المبلغ المتفق عليه ويدعمه في ذلك الصفة العقدية له، وهو أمر يجعل المدين في موقف ضعيف يدفعه دفعاً للالتزام بالمبلغ الوارد في الشرط.
وفيما يلي سنتناول بالشرح تعريف الشرط الجزائي وحكمه في الشريعة والطبيعة القانونية له والفرق بينه وبين ما يشتبه به والأسباب الداعية له ومزاياه :
أولاً: تعريف الشرط الجزائي :
عُرف الشرط الجزائي بأنه : اتفاق الطرفين مسبقاً في العقد، أو في عقد لاحق يكمله على مقدار التعويض عن الضرر الواقع عن الإخلال بتنفيذ الالتزام على أن يتم هذا الاتفاق قبل وقوع الإخلال بالتنفيذ.
كما عُرف بأنه : اتفاق بمقتضاه يلتزم شخص بالقيام بأمر معين ـ يكون في الغالب دفع مبلغ من النقود ـ في حالة إخلاله بالتزام أصلي مقرر في ذمتـه، أو تأخره في الوفاء بذلك الالتزام الأصلي جزاء له على هذا الإخلال أو التأخير وتعويضاً للدائن عما يصيبه من ضرر بسبب ذلك.
وسبب تسمية الشرط الجزائي بهذا الاسم لأنه بحسب العادة يوضع كشرط ضمن شروط العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه، وغالباً ما يكون الشرط الجزائي مبلغاً من النقود، بيد أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون أمراً آخر غير النقود.
ومن مسميات الشرط الجزائي :
– البند الجزائي.
– التعيين بالاتفاق.
– التعيين الاتفاقي.
– التعويض الاتفاقي.
– الجزاء الإيصائي.
– الجزاء التعاوضي.
ثانياً: حُكم الشرط الجزائي في الشريعة الإسلامية
لم يرد مصطلح الشرط الجزائي في كتب فقهاء المذاهب الفقهية ولكنه شرط صحيح لأن العُرف قد جرى به بين الناس، بحيث يُحقق مصلحة العقد ومصلحة المشترط، وقد ذهب الفقهاء المحدثين إلى صحة اشتراط مثل هذا الشرط في العقد، وقد استدلوا على قولهم هذا بعديد الأدلة من الكتاب والسنة والمعقول والحاجة والمصلحة، وسوف نعرض بعض تلك الأدلة فيما يلي :
– القرآن الكريم
قوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود “
ووجه الدلالة هنا أن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود، والوفاء بالعقد مصطلح عام يسري على كل عقد سواء حوى شرطاً فيه خيار أم لا.
– السنة النبوية
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً”
ووجه الدلالة هنا أن الحديث نص على صحة كافة الشروط التي يقوم المتعاقدون على إبرامها، ولا يستثنى منها إلا ما تعارض مع النص الشرعي سواء بالتحريم أو التحليل.
– الأثر
روي عن محمد بن سيرين أنه قال : قال رجل لكريه رحل ركابك، فإن لم أرحل معك في يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج فقال شريح القاضي : من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه.
ووجه الدلالة هنا أن حكم الشرط الجزائي ووجوب العمل به واضح في حكم شريح القاضي.
– الإجماع
أجمع فقهاء المذاهب على صحة كافة الشروط التي يتحقق فيها مصلحة العقد، وجرى بها العرف، والشرط الجزائي كما هو معلوم قد جرى به العرف، فهو أيضاً يُقصد به الاستيثاق من تنفيذ الالتزام.
كما يستمد الشرط الجزائي مشروعيته من كونه وسيلة لحفظ المال واحترام الوقت.
ثالثاً: الطبيعة القانونية للشرط الجزائي :
اختلفت القوانين حول طبيعة وكيفية الشرط الجزائي إلى أربعة أقوال:
القول الأول : اعتباره عقوبة خاصة وهذا كان عليه وضع الشرط الجزائـي فـي القـانون
الروماني.
القول الثاني : اعتباره تعويضاً اتفاقياً احتمالياً عن الضرر المتوقع ويساوي الضرر المتوقع وهذا ما أخذ به كل من القانونيين الأردني والإماراتي.
القول الثالث : كما القانون المصري وأغلب القوانين العربية التي اعتبرته تعويضاً اتفاقياً احتمالياً جزافياً يحوي في طياته بعض آثار العقوبة ومن الجائز زيادته عن قدر الضرر المتوقع حدوثه ولكن زيادة لا تكون فاحشة.
القول الرابع : أنه عبارة عن اتفاق على التعويض، وهذا أمر منفصل عن الضرر وذلك منهج القانون الفرنسي.
فما هو سبب الخلاف إلى أربعة أقوال كما تقدم ؟
يُمكن القول أن مبدأ سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين هو سبب الخلاف وذلك لأنه من أصر على الأخذ به كاملاً أصر على التعويض في الشرط الجزائـي بمجـرد الإخلال ولو لم يقع الضرر.
ومن رأى أن هذا المبدأ لا يؤخذ على إطلاقه لأنه يخالف العدل ويؤدي إلى ظلم الأقوياء للضعفاء رأى أنه لابد من وقوع الضرر ليـستحق الـشرط الجزائي مع اختلافهم في التعويض وهل يلزم أن يساوي الضرر أو لا يلزم.
وثمرة الخلاف:
هو في قدرة القاضي على التعديل، فمن رأى أنه تعويض عن الـضرر أطلق سلطة القاضي في تعديله ليساوي الضرر، ومن رأى أنه تعويض لــه بعض آثار العقوبة أعطى للقاضي سلطة التعديل لكن بنسبة أقـل فـلا يلـزم التساوي، وأما من رأى أنه اتفاق ملزم لا علاقة له بالضرر رأى أنه لا سلطة للقاضي في التعديل.
رابعاً: الفرق بين الشرط الجزائي وما يشتبه به
يختلف الشرط الجزائي عن الصلح، بحيث أن الصلح هو اتفاق بعد وقوع الضرر عن مقدار التعويض.
وقد يشتبه الشرط الجزائي بالعربون، ومع ذلك يجب التمييز بينهما، فالشرط الجزائي هو تعويض اتفاقي عن الضرر الذي يلحق بالدائن من جراء عدم تنفيذ الالتزام أو التأخير فيه، أما دفع عربون فهو ليس وفاء بتعويض وإنما يعني أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن العقد، فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل عن قبضه رد ضعفه، ولو لم يترتب على العدول ضرر، وفي هذا يفترق العربون عن الشرط الجزائي.
خامساً: الأسباب الداعية للشرط الجزائي
الشروط الجزائية أصبح عرفاً يتواجد في سائر العقود ويُمكن اعتبارها ملاذاً آمناً لصاحب الالتزام وفي ذات الوقت إلزاماً على عاتق المخل بالتزاماته، ويُمكن اختصار الأسباب الداعية للشرط الجزائي في خمس أسباب كما سيلي ذكره :
السبب الأول : الاهتمام بعنصر الوقت أو الزمن والميعاد، وذلك لما يترتب على التأخر من أضرار، بحيث أنه إذا تأخر أحد أو امتنع عن تنفيذ أي التزام من الالتزامات الملقاة على عاتقه وفي المواعيد المشروطة لذلك، فإن عنصر الزمن هنا يكون مضراً بالطرف الآخر من عديد الأوجه وأولها في ماله.
السبب الثاني : ازدياد القيمة المالية للمشاريع مما كان له الأثر في مضاعفة الخسائر حال
التأخر في التنفيذ أو الإخلال بالعقد حيث تكون الخسائر فادحة على شركات المقاولات – على سبيل المثال – والتي التزمت بإنشاءات معينة وفي أوقات معينة تعييناً دقيقاً وقد تطبق عليها غرامات في حال التأخير إذا أخلف مورد المواد الخام مواعيده في عملية الإمداد بالمواد اللازمة وفي المعين لذلك، وكم ستخسر الشركة المعطاة امتياز تنقيب عن الذهب أو المعادن أو المواد البترولية أو الغاز – على سبيل المثال – في حال إذا كانت قد باشرت العمل وجلبت المعدات والمهندسين والعمال ثم أخلت الدولة بالعقد.
السبب الثالث : نمو التجارة الدولية العابرة للحدود والقارات يوماً بعد يوم ، وكان من أثر ذلك ضرورة وجود ضمانة تحفز على الثقة والأمان من التعاملات المشبوهة والغدر والإخلال في العقود، ذلك لأن العقود الدولية تتم بـين شركات دولية ومؤسسات مختلفة لا يعرفون بعضهم البعض، مما يؤثر على عنصري الأمان والثقة وبالتالي كانت الحاجة ماسة لوجـود شـروط جزائية تعطي المشترط الأمان والاطمئنان أن حقه محفوظ وإن خالف الطرف الآخر الاتفاق بحيث أنه سيحصل عاجلاً أو آجلاً على التعويض المناسب حال الإخلال.
السبب الرابع : نتيجة لتنوع نشاطات التجارة وكثرة الموارد وسعي الدول الدائم لتنويع نشاطاتها التجارية كما ازدياد نشاط الشركات العابرة للحدود، فقد أدى هذا التنوع والنشاط الهائل لظهور أنواع عديدة من العقود والحقوق والالتزامات المترتبة عليها وذلك كعقود الامتياز، والاستصناع الحديثة، والنقل الجوي والبحري، وعقود نقل التكنولوجيا، والتوريد، والملكية الفكرية، والمقاولات وغيرهـا ممـا يستلزم معه بلا شك ضرورة تضمين شروطاً جزائية.
السبب الخامس : بحسب ما يظهر من خلال التعاملات حتى الفردية فقد جرى العرف أخيراً بحيث أصبح في صفة كثير من الناس عدم الاطمئنان إلى بعضهم البعض إلا بوجود شروط جزائية.
خامساً: مزايا الشروط الجزائية
يُمكننا تقسيم ذلك لمزايا خاصة ومزايا عامة وذلك فيما يلي :
– فيما يتعلق بالمزايا الخاصة بالمتعاقدين ومنها ما يلي:
الميزة الأولى : يعطي الأمان والاطمئنان الكافي للمشترط بتنفيذ العقد وحفظ حقوقه، وعدم الإخلال به كما أنه يُلزم الطرف الآخر بأخذ العقد بجدية وحسم فلا يتهاون في تنفيذه.
الميزة الثانية :نظراً لأن الشرط الجزائي يحدد باتفاق العاقدين العوض المناسب للضرر المحتمل، فهو بذلك يحجم من النزاعات والخلافات المتعلقة بالتعويض عن الأضـرار اللاحقـة والناتجة عن الإخلال بالعقد.
الميزة الثالثة: يجنب المشترط عبء إثبات الضرر الـذي أصـابه جـراء الإخلال بالعقد و يجنب المتعاقدين تدخل القضاء في تقدير التعـويض المترتـب علـى الضرر كما ويحقق التعويض الأمثل والمناسب للمشترط عند وقوع الضرر.
الميزة الرابعة : توفير وقت وجهد المتعاقدان بحيث أنهما إذا لم يتفقا على الشرط الجزائي فسينفقان ذلك على الإجراءات القضائية المتعلقة بالتعويض.
– فيما يتعلق بالمزايا العامة للمتعاقدين ومنها ما يلي :
الميزة الأولى : يسهم الشرط الجزائي في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع لأن يعطي أمان وثقة وطمئنينه للناس ويدفعهم إلى التعاقـد، وذلك سيدفع لرواج العقود التجارية ومن ثم تحريك رؤوس الأموال النائمة، وينعكس ذلك على زيادة الإنتاج ثم فرص التوظيف، ورخص السلع وتقليل التضخم، والأثر الأكبر والإجمالي هو تقدم الدولة تجاريـاً وصـناعياً دون الاعتماد على البضائع المستوردة من الخارج.
الميزة الثانية : يساهم في تنفيذ المشاريع بدقة زمنية ملائمة تساعد الحكومات وتدعمها في تنفيذ خطط الدولة في التوقيتات المعلنة.
الميزة الثالثة : يخفف من تكدس المحاكم بالقضايا المتعلقة بالتعويضات عن العقود، بل ويقلل من اختلاف القضاة في تحديد قيمة التعويض عن الأضرار التي تترتب عن الإخلال بالالتزامات التعاقدية، وذلك لأن القاضي يمتلك بالشرط الجزائي الأسـاس العـام للتعـويض.

Leave Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شكرا على تواصلكم مع asda-lawfirm